26 فبراير 1970
انطلقت الخرطوشة اللعينة من برج المراقبة بقاعدة قويسنا ، وصدرت الأوامر بانطلاق 4 مقاتلات ميج 21 فى الجو ، كان على رأسها الرائد طيار سامح مرعى قائداً لهذا التشكيل الذى يضم كلاً من ملازم أول طيار محمد عويس وأحمد عاطف وإبراهيم حماد .
وصل التشكيل إلى منطقة الأشتباك غربى الإسماعيلية حيث رأى قائد التشكيل 4 طائرات ميراج غسرائيلية ولكنه لأنه يعلم بالخبرة الطويلة أن عملية القتال الجوى مع الطيران الإسرائيلى لا تتم بهذه السهولة فإنه ترك هذه الطائرات الأربع وسط ذهول زملائه وبدأ يفتش السماء أعلى واسفل وكان ما توقعه بالضبط إذ رأى 8 طائرات فانتوم (ف-4 )تقبض عليه وعلى التشكيل الذى يقوده من أسفل ومن اتجاه عكسى ، وذلك فى نفس الوقت الذى قامت فيه طائرات الميراج الإسرائيلية الأربع بزيادة سرعتها وتشغيل الحارق اللاحق لإخلاء مكان المعركة المدبرة لطائرات الفانتوم وهذا هو ما يعرف
بأسلوب كمائن الجو .
لو دخل سامح والتشكيل الذى يقوده خلف الميراج لكان اسقط هو وزلاؤه فى أقل من ثانية .. أما الآن فقد قدر موقفه بسرعة وأصدر لزملائه أمراً حاسماً باللاسلكى قائلاً :
- Break hard
( أنفصل بشدة وبسرعة عن التشكيل ) وكعادتهم أطاع الزملاء الثلاثة أوامر القائد المحنك وانفصلوا عن التشكيل كل فى اتجاه .
وحتى يمنع طائرات الفانتوم من ملاحقة زملاؤه فقد انقض سامح فى لحظة على طائرات الفانتوم بمفرده ودخل معهم فى معركة غير متكافئة بالمرة فأخذ يناور معهم بكل ما أوتى من مهارة وخبرة ، ويبتعد بهم عن باقى الزملاء وعبر جهاز اللاسلكى فهم الملازم أول محمد عويس ما جرى وخاطب قائده قائلاً : (( يا فندم أنت لوحدك دلوقت واحنا بعيد عنك ومش شايفينك دول 8 فانتوم نط
نط بالباراشوت ))
سامح : (( أنا عارف كويس .. أنا عارف إنى لوحدى وعارف أنهم ثمانية )) ..
وهناك فى الطيران ما يسمى بالألعاب الهوائية التى نراها جميعاً فى الاستعراضات الجوية ، معظم هذه الحركات تستخدم أثناء الاشتباكات الجوية بين الطيارين المقاتلين لغرض واحد وهو أن يستطع الطيار ان يمسك بذيل خصمه ،بمعنى ان يناور حتى تصبح طائرة خصمه أمامه وبالتالى يستطيع أن يفتح عليها نيران مدافعه وصواريخه ويسقطها .. وهكذا فإن الإمساك بذيل طائرة معناها تدمير محقق ولذلك فإنهم يسمون عمليات الأشتباك الجوى (dog fight ) أى عراك الكلاب لأن الكلاب عندما تتعارك فإن كلا منها يحاول
أن يعض الآخر من مؤخرته .
وعندما يشتبك طيار واحد مع عدد أكبر من الطائرات ، فمعنى ذلك أنه لو نجح فى إنقاذ نفسه من الوقوع أمام طائرة فإنه لن يستطيع ذلك مع الثانية أوالثالثة وفى حالة سامح مرعى كانت هناك حتى الطائرة الثامنة - لذلك فمجرد أن دخل معهم فى الاشتباك ظل يناور بطائرته فى حركة دوران جانبية ( side loop ( بتواصل ودون انقطاع حتى يصعب عليهم الامساك بذيله وعلى الأرض شاهد المعركة بأكملها رجال إحدى الوحدات البرية وكان يمكن لسامح أن يقفز بالمظلة .. مجرد الضغط على رافعة صغيرة وينطلق بالمقعد القاذف خارج الطائرة .. ولكن يبدو أنه كان مصمماً ومنذ فترة طويلة على عدم القفز أبداً من طائرته ، فقد كان يقول لزملاؤه (( إن الطيار المقاتل الكفء يشعر أن طائرته هى جزء منه تماماً مثل يده أو قدمه ، كما أن طائرة القتال هى أحسن كفن للطيار الشجاع )) .
لم يفهم أحد من الأصدقاء هذا الكلام إلا بعد انتهاء تلك المعركة واستشهاد الرائد طيار سامح مرعى على أثر دفعة نيران مجمعة أطلقتها طائرات الفانتوم فأصابت طائرته وسقط الرجل الشجاع البسيط فى قرية بيسطة صغيرة شرقى الدلتا اسمها ( ميت محمود ) .
وكالمعتاد تمت اجراءات الدفن بسرعة أوتوماتيكية وكانت هناك جنازة أخرى يشترك فيها الأصدقاء والزملاء وهناك أمام المقبرة رقم 56 بمقابر الشهداء
بالعباسية استقر أخيراً المحارب الشجاع ...
*****************
مصدر الحيثيات : رواية ذئب فى قرص الشمس /محمد عبد المنعم / عن البطل الشهيد
ادرج في قائمة الشرف الوطني المصري باب القوات المسلحة بعد منحه قلادة تاميكوم من الطبقه الماسية اعتبارا من 23/1/2016